كتب: مصطفى سليم
أنا حتشبسوت، ومعنى اسمى: أول السيدات المبجلات، من الأسرة 18 فى الدولة الحديثة. ليس عجبًا أن تحكم مصر امرأة، فقد كانت «ميريت نت» ملكة فى الأسرة الأولى، كما كانت خنت كاوس فى الأسرة الخامسة، ونتوكريس فى الأسرة السادسة، وسوبك نفرو فى الأسرة الثانية عشرة، وأع حوتب زوجة سقنن رع فى الأسرة السابعة عشرة، كان القانون لا يفرق بين الرجل والمرأة، بل كان يطلق عليها: صانعة النساء والرجال، وهذا من أسباب حضارتنا.
بايعنى أبى تحوتمس الأول الحكم، لأن أخى تحوتمس الثانى كان ضعيفًا، وتحوتمس الثالث كان صغيرًا، قالوا عنى إننى انتزعت الحكم منهما، وإننى امرأة قوية الشكيمة، صحيح أننى قلت إنى ابنة آمون رع، ولو أن العلوم كانت قد سبقت الغيبيات، لما جرؤت أن أدعى أنى ابنة الإله، لأن الـ D.N.A كان سيكشفنى فورًا، الكذب خيبة فى ضوء العلوم.
وقعت فى حب المهندس المعمارى الموهوب: سنموت، وكانت ثمرة هذا الحب: الدير البحرى بكل عظمته وجلاله، والذى لوثتم تاريخه بهذه المذبحة البشرية، والتى سالت فيها دماء خمسة وستين سائحًا سنة 1997م!. لقد كنا إذا حكمنا بإعدام مجرم، يقول القاضى: لا ألوث يدىَّ بإعدامك، عليك أن تنهى حياتك بالطريقة التى تختارها! كما كنا نقول: ملعون كل من يجرح إنسانًا حيًا أو ميتًا إلا الأطباء!.
قامت ثورة فى شمال السودان، أخمدتها، وظلت تابعة لمصر حتى حاولت إنجلترا فصلها عن مصر فى حكومة النحاس باشا، فكان رد النحاس: «تقطع يدى ولا تنفصل السودان عن مصر»، كيف هذا وهما بلد واحد، ولكن الأخوين تفرقا 1956م. ثم قامت ثورة فى سوريا، ولكنى أيضًا أخمدتها بقوة الجيش المصرى، كما تصديت لغزوات جرذان الصحراء «البدو» على حدود مصر.
عكفت بعد ذلك على إصلاح ما خربه الهكسوس فى البلاد، تجدون من آثارى مسلتين فى معبد الكرنك، وهيكلا باسمى فى بنى حسن، تسمونه إسطبل عنتر!! مكتوبا عليه أنى لم أقم بحملات عسكرية إلا فى الجنوب لتأديب الثوار، كذلك تجدون نقشًا فى الدير البحرى عن قصة رحلة إلى جنوب الحبشة والتى تسمونها بلاد بونت «الصومال»، لإحضار البخور، كما تجدون رسمًا لامرأة سمينة تقولون عنها إنها كانت مصابة بداء الفيل، كنا نرى أن السمنة إذا تفشت فى بلد، فهذا دليل على ترهلها وكسلها، وتقولون عن السمنة إنها أشد خطرًا من السرطان، والعجيب أن مقياس الجمال عند بعض الشعوب حولكم هو السمنة! بل هى جواز الدخول إلى عالم الزواج! حتى إن أحدهم وصف من يحب:
من رأى مثل حبيبتى تشبه البدر إذا بدا
تدخل اليوم ثم تدخل أردافها غدا!!
وهم يصفون الجميلات بقولهم: أساورهن صوامت لأن ذراعها شبعى، وخلاخيلهن صوامت لأن سوقهن «جمع ساق» شبعى، وإذا نهضن تعثرن لثقل أردافهن! انظروا إلينا على الجداريات: نفرتيتى، نفرتارى، حتشبسوت، تكاد الواحدة منا تطير من فرط الخفة والرشاقة، وهذا هو جمالنا المصرى القديم الذى عدتم إليه فى القرن العشرين «العقاد».
تظلمون تحوتمس الثالث مؤسس الإمبراطورية حين تدّعون أنه دمر آثارى، فهذا الملك العظيم زوجته ابنتى، وقمت على تربيته كوالدة له لأنه كان صغيرًا، نهايتى كانت مأساوية.. مرضت بمرض خونسو، وهو ما تسمونه الآن السرطان، ولقد اكتشف جثمانى ومرضى الدكتور زاهى حواس وفريقه العلمى، حين وجدوا بعضًا من أسنانى فى JAR، ووجدوا أنها نفس الأسنان الناقصة فى مومياء مجهولة الهوية، فعرفوا أنها «أنا.. حتشبسوت»!. لقد مهدت الطريق لتحوتمس الثالث، حتى أنشأ أول إمبراطورية فى التاريخ، تمامًا كما مهد هنرى الثامن الطريق لابنته إليزابيث الأولى فقامت الإمبراطورية البريطانية على يديها.